كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله تعالى: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السماء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا والجبال أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَّكُمْ ولأنعَامِكُم} [النازعات: 27- 33].
ونظيرة آية النازعات هذه قوله تعالى في أول الصافات: {فاستفتهم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} [الصافات: 11] الآية. لأن قوله: {أَم مَّنْ خَلَقنَا} يشير به الى خلق السماوات والأرض. وما ذكر معهما المذكور في قوله تعالى: {رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المشارق} [الصافات: 5] الى قوله: {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 10].
وأما الثانى من البراهين المذكورة: فهو خلقه تعالى للناس المرة الأولى. لأن من ابتدع خلقهم على غير مثال سابق. لا شك في قدرته على إعادة خلقهم. مرة أخرى كما لا يخفى.
والاستدلال بهذا البرهان على البعث كثير جدًّا في كتاب الله كقوله تعالى: {يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَاب} [الحج: 5] الى آخر الآيات.
وقوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قال مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا أول مَرَّةٍ وهو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 78- 79] وقوله تعالى: {وَيَقول الإنسان أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أولاَ يَذْكُرُ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ ولم يَكُ شَيْئًا فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ والشيئاطين ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَو ل جَهَنَّمَ جِثِيًّا} [مريم: 66- 68] الآية.
وقوله تعالى: {وَهوالذي يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وهو أَهونُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] الآية.
وقوله تعالى: {فَسَيَقولونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أول مَرَّةٍ} [الإسراء: 51] وقوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أول خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] وقوله تعالى: {أَفَعَيِينَا بالخلق الأول بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق: 15] وقوله تعالى: {ولقد عَلِمْتُمُ النشأة الأولى فَلولا تَذَكَّرُونَ} [الواقعة: 62] وقوله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الآخرى} [النجم: 45- 47] وقوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فسوى فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى} [القيامة: 36- 40].
وقوله تعالى: {والتين والزيتون وَطُورِ سِينِينَ وهذا البلد الأمين لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 1- 4] الى قوله: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بالدين} [التين: 7] يعنى أي شئ يحملك على التكذيب بالدين أي بالبعث والجزاء. وقد علمت أنى خلقتك الخلق الأول في أحسن تقويم. وأنت تعلم أنه لا يخفى على عاقل أن من ابتدع الإيجاد الأول لا شك في قدرته. على إعادته مرة أخرى إلى غير ذلك من الآيات.
وأما البرهان الثالث منها: وهو إحياء الأرض بعد موتها المذكور في قوله تعالى في سورة الجاثية هذه: {وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}. فانه يكثر الاستدلال به أيضًا على البعث في القرآن العظيم. لأن من أحيا الأرض بعد موتها قادر على أحياء الناس بعد موتهم. لأن الجميع أحياء بعد موت.
فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: {يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرحام مَا نَشَاءُ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يتوفى وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأرض هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهتزت وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذلك بِأَنَّ الله هو الحق وَأَنَّهُ يُحْيِي الموتى وَأَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الساعة اتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي القبور} [الحج: 5- 7] وقوله تعالى: {فانظر إلى اثَارِ رَحْمَةِ الله كَيْفَ يُحْيِيِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْييِ الموتى وهو على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 50] وقوله تعالى: {وَهوالذي يُرْسِلُ الرياح بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حتى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الماء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثمرات كذلك نُخْرِجُ الموتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 57].
فقوله تعالى: {كَذَالِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى} أي نبعثهم من قبورهم أحياء كما أخرجنا تلك الثمرات بعد عدمها. وأحيينا بإخراجها ذلك البلد الميت. وقوله تعالى: {يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحي وَيُحْيِي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الروم: 19] يعني تخرجون من قبوركم أحياء بعد الموت. وقوله تعالى: {رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الخروج} [ق: 11] إلى غير ذلك من الآيات.
أقوله تعالى: {تَلْكَ آيات الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بالحق}.
أشار جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم إلى آيات القرآن العظيم. وبين لنبيه أنه يتلوها عليه. متلبسة بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه. ولا من خلفه.
وما ذكره جل وعلا في آية الجاثية هذه. ذكره في آيات أخر بلفظه كقوله تعالى في البقرة {ولولا دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض ولكن الله ذُوفَضْلٍ عَلَى العالمين تِلْكَ آيات الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بالحق وَإِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} [البقرة: 251- 252] وقوله تعالى في ال عمران: {وَأَمَّا الذين ابيضت وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ الله هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ تِلْكَ آيات الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بالحق وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِين} [ال عمران: 107- 108] وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {تلك} بمعنى هذه.
ومن أساليب اللغة العربية إطلاق الإشارة إلى البعيد على الإشارة إلى القريب كقوله: {ذَلِكَ الكتاب} [البقرة: 2] بمعنى هذا الكتاب. كما حكاه البخاري عن أبي عبيدة معمر بن المثنى. ومن شواهده قول خفاف بن ندبة السلمي:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها ** فعمدًا على عيني تيممت مالكًا

أقول له والرمح يأطر متنه ** تأمل خفافًا إنني أنا ذالكما

هذا.
وقد اوضحنا هذا المبحث وذكرنا أوجهه في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب. عن آيات الكتب) في أول سورة البقرة وقوله تعالى: {نتلوها} أي نقرؤها عليك.
وأسند جل وعلا تلاوتها إلى نفسه لأنها كلامه الذي أنزله على رسوله بواسطة الملك. وأمر الملك أن يتلوه عليه مبلغًا عنه جل وعلا.
ونظير ذلك قوله تعالى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقرأنَهُ فَإِذَا قرأنَاهُ فاتبع قرأنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16- 19].
فقوله: فإذا قرأناه أي قرأه عليك المرسل به. من قبلنا مبلغًا عنا. وسمعته منه. فاتبع قرأنه أي فاتبع قرأءته واقرأه كما سمعته يقرؤه.
وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله: {ولاَ تَعْجَلْ بالقرآن مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114].
وسماعه صلى الله عليه وسلم القرآن من الملك المبلغ من الله كلام الله وفهمه له هو معنى تنزله إياه على قلبه في قوله تعالى: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله} [البقرة: 97] وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 192- 195] وقوله تعالى في هذه الآية: {تِلْكَ ءَايَاتُ اللَّهِ} [الجاثية: 6] يعني آياته الدينية.
واعلم أن لفظ الآية. يطلق في اللغة العربية إطلاقين. وفي القرآن العظيم إطلاقين أيضًا. أما إطلاقاه في اللغة العربية.
فالأول منهما وهو المشهور في كلام العرب. فهو إطلاق الآية بمعنى العلامة. وهذا مستفيض في كلام العرب. ومنه قول نابغة ذبيان:
توهمت آيات لها فعرفتها ** لستة أعوام وذا العام سابع

ثم بين أن مراده بالآيات علامات الدار في قوله بعده:
رماد ككحل العين لأيًا أبنيته ** ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع

وأما الثاني منهما فهو إطلاق الآية بمعنى الجماعة. يقولون: جاء بايتهم أي بجماعتهم.
ومنه قول برج بن مسهر:
خرجنا من النقبين لا حي مثلنا ** بايتنا نزجي اللقاح المطافلا

وقوله: بآياتنا يعني بجماعتنا.
وأما إطلاقاه في القرآن العظيم.
فالأول منهما إطلاق الآية الشرعية الدينية كايات هذا القرآن العظيم. ومنه قوله تعالى هنا: {تَلْكَ آيات الله نَتْلُوهَا} الآية.
وأما الثاني منهما: فهو إطلاق الآية على الآية الكونية القدرية كقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} [أل عمران: 190].
أما الآية الكونية القدرية فهي بمعنى الآية اللغوية التي هي العلامة. لأن الآيات الكونية علامات قاطعة. على أن خالقها هو الرب المعبود وحده.
وأما الآية الشرعية الدينية. فقال بعض العلماء: أنها أيضًا من الآية التي هي العلامة. لأن آيات هذا القرآن العظيم. علامات على صدق من جاء بها. لما تضمنته من برهان الإعجار. أولأن فيها علامات يعرف بها مبدأ الآيات ومنتهاها.
وقال بعض العلماء أنها من الآية بمعنى الجماعة. لتضمنها جملة من كلمات القرآن وحروفه.
واختار غير واحد أن أصل الآية أيية بفتح الهمزة وفتح الياءين بعدها. فاجتمع في الياءين موجبًا إعلال. لأن كل منهما متحركة أصلية بعد فتح متصل. كما أشار له في الخلاصة بقوله:
من واو وياء بتحريك أصل ** ألفًا أبدل بعد فتح متصل

إن حراك التالي. إلخ.
والمعروف في علم والمعروف في علم التصريف. أنه إن اجتمع موجبا إعلال في كلمة واحدة فالأكثر في اللغة العربية تصحيح الأول منهما. وإعلال الثانى بإبداله ألفا كالهوى والنوى والطوى والشوى. وربما صحح الثانى وأعل الأول كغاية. وراية. واية على الأصح. من أقوال عديدة. ومعلوم أن إعلالهما لا يصح. ولذها أشار في الخلاصة بقوله:
من واو وياء بتحريك أصل ** ألفًا أبدل بعد فتح متصل

ان حرك التالي. إلخ.
والمعروف في علم التصريف. أنه إن اجتمع موجبًا إعلال في كلمة واحدة فالأكثر في اللغة العربية تصحيح الأول منها. وإعلال الثانى بإبداله ألفا كالهوى والنوى والطوى والشوى. وربما صحح الثانى وأعل الأول كغاية وراية. واية على الأصح. من اقوال عديدة. ومعلوم أن إعلالهما لا يصح. ولهذا أشار في الخلاصة بقوله:
وإن لحرفين ذا الإعلال استحق ** صحح أول وعكس قد يحق

قوله تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وآياته يُؤْمِنُونَ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيم يَسْمَعُ آيات الله تتلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.
ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن من كفر بالله وبآيات الله ولم يؤمن بذلك مع ظهور الأدلة والبراهين على لزوم الإيمان بالله. وآياته أنه يستبعد. أن يؤمن بشئ آخر. لأنه لوكان يؤمن بحديث لامن بالله وبآياته لظهور الأدلة على ذلك. وأن من لم يؤمن بآيات الله متوعد بالويل. وأنه أفاك أثيمن والأفاكك كثير الإفك وهو أسوأ الكذب. والأثيم: هو مرتكب الإثم بقلبه وجوارحه. فهو مجرم بقلبه ولسانه وجوارحه. قد ذكره تعالى في غير هذا الموضع فتوعد المكذبين لهذا القرآن. بالويل يوم القيامة. وبين استبعاد إيمانهم. بأى حديث بعد أن لم يؤمنوا بهذا القرآن. وذلك بقوله في آخر المرسلات:
{وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا لاَ يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [المرسلات: 48- 50] فقوله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} كقوله هنا {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}.
وقد كرر تعالى وعيد المكذبين بالويل في سورة المرسلات كما هو معلوم وقوله في آخر المرسلات:
{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} كقوله هنا في الجاثية: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وآياته يُؤْمِنُونَ}.
ومعلوم أن الإيمان بالله على الوجه الصحيح. يستلزم الإيمان بآياته. وأن الإيمان بآياته كذلك يستلزم الإيمان به تعالى. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {يَسْمَعُ آيات الله تتلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} يدل على ان من يسمع القرآن يتلى ثم يصير على الكفر والمعاصي في حالة كونه متكبرًا عن الأنقياد إلى الحق الذي تضمنته آيات القرآن كأنه لم يسمع آيات الله. له البشارة يوم القيامة بالعذاب الأليم وهو الخلود في النار. وما تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحًا في غير هذا الموضع كقوله تعالى في لقمان: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِ آياتنَا ولى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ في أُذُنَيْهِ وَقرأ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [لقمان: 7] وقوله تعالى في الحج: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آياتنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الذين كَفَرُواْ المنكر يَكَادُونَ يَسْطُونَ بالذين يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذلكم النار وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ وَبِئْسَ المصير} [الحج: 72] وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قالواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم مَاذَا قال آنفًا أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ واتبعوا أَهواءَهُمْ} [محمد: 16]. فقوله تعالى عنهم: {ماذا قال آنفًا}: يدل على أنهم ما كانوا يبالون بما يتلوعليهم النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات والهدى.
وقد ذكرنا كثيرًا من الآيات المتعلقة بهذا المبحث في سورة فصلت في الكلام على قوله تعالى: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ وَقالواْ قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي اذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} [فصلت: 4- 5] الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية: {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} خففت فيه لفظة كأن. ومعلوم أن كأن إذا خففت كان اسمها مقدرًا وهو ضمير الشأن والجملة خبرها كما قال في الخلاصة:
وخففت كأن أيضًا فنوى ** منصوبها وثابتًا أيضًا روى

وقد قدمنا في أول سورة الكهف: أن البشارة تطلق غالبًا على الإخبار بما يسر. وأنها ربما أطلقت في القرآن وفى كلام العرب على الإخبار بما يسوء أيضًا.
وأوضحنا ذلك بشواهده العربية. وقوله في هذه الآية الكريمة: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}.
قال بعض العلماء: {وَيْلٌ} واد في جهنم.
والأظهر أن لفظه {وَيْلٌ} كلمة عذاب وهلاك. وأنها مصدر لا لفظ له من فعله. وأن المسوغ للابتداء بها مع أنها نكرة كونها في معرض الدعاء عليهم بالهلاك.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {فَبَأَيّ حَدِيث بَعْدَ اللَّهِ وَءَايَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}.
قرأه نافع. وابن كثير. وأبو عمرو وحفص. عن عاصم: يؤمنون بياء الغيبة.
وقرأه ابن عامر. وحمزة. والكسائي. وشعبة عن عاصم تؤمنون بتاء الخطاب.
وقرأه ورش عن نافع والسوسي عن أبى عمرويؤمنون بإبدال الهمزة واوًا وصلًا ووقفًا.
وقرأه حمزة بإبدال الهمزة واوًا في الوقف دون الوصل.
والباقون بتحقيق الهمزة مطلقًا.